Arabic

تسجيل الدخول

الرئيسية البشت كلمة عربية

البشت كلمة عربية

مقال للاستاذ عبداللطيف الزبيدي - مجلة زهرة الخليج العدد 1489 بتاريخ 6/10/2007
 

الـبـــت في الـبـشــــت:
 

الشيء الذي يمكن البت فيه ، بتاً جزماً قطعاً ، هو أن كلمة « بشت « غير عربية . هنا يتدخل حضرة جناب المنطق : هل يعقل أن تكون « البشوت « هذه العباءات الأنيقة ، التي يختال بها أكابر عرب الشمال والجنوب في الجزيرة العربية ، في دول مجلس التعاون ، في فلسطين الكبرى وبلاد الشام ، بكل ما في هذه الأسماء من تداخلات وامتدادات ، قد عجز أهلها عن الجود عليها باسم عربي ، في حين أن جيرانهم من غير العرب لم يعرفوا البشوت ، وما شاكلها من العباءات الوبرية الشفافة في تاريخهم ؟

الأذن العربية لم تستسغ ترتيب الحروف في ثلاثي الباء والشين والتاء، فلم ينطق اللسان العربي بشيء أسمه « بشت « ترك ذلك لأهل « البشتو « : الأفغان .

أقول هذا بعد العودة إلى كل معاجمنا وقوامسينا ( كارثة إذا كنت قد نسيت أحدها !).

عقدت العزم على البت في الأمر ، فهذه عضلة من العضل ، ولابد من الحل .

تساءلت : هل تكون الكلمة قادمة من بلاد فارس ؟

كل شيء ممكن ، على الرغم من أن في المسألة مشهداً لا يخلو من الدعابة : أهل فارس ينسجون عباءة شفافة من الوبر، ويوصلونها على طريقة Home Delivery إلى بادية الشام ، مروراً بأبعاد وآماد عربية شتى!

ثمة لمسة دعابة ، شبيهة باكتشافنا معاطف من جلود الدببة البيضاء القطبية ، استوردها الإسكيمو من الجزيرة العربية قبل خمسة عشر قرناً .

عدت إلى اللغة الفارسية : كلمة « Poshti « « بشت» لها ألف معنى أعني عشرات المعاني ، في مقدمتها الظهر ، ولها تركيبات كثيرة وكذلك كلمة بشتي Poshti .

كلمة « بشت « من معانيها : قميص قصير إلى الخصر ، كان يرتديه أهل جيلان « Guilan» ( شمال إيران )». جاء هذا في قاموس «د. محمد معين»، وهو ثاني أكبر المعاجم في الفارسية .

ومن التركيبات: «بشت بست «، وهي من حيل النساء ( إن كيدهن عظيم !) . فقد كانت ابنة حواء تشد إلى مؤخرتها وسادة أو زربية صغيرة ، لتبدو عجزاء ، « يخزي العين «!

وكما هو واضح ، لا علاقة للقميص ولا للوسادة بالعباءة الفاخرة ، التي نحن بصددها.

إذا لم يكن من بين أهل البحوث والدراسات ملحاح لجوج ، فإن أقرب المسالك هو الرجوع إلى دارنا ، لغة الضاد . هذه باقة للبت في أمر البشت :

يقول « ابن دريد « (223-321هـ) في « جمهرة اللغة « : « البت : كساء من وبر وصوف «!

والبت يجمع على بتوت ، مثلما يجمعون البشت على بشوت.

الآن : حاول أن تردد : بتون ، بشوت ، بتوت ، بشوت . وأفعل ذلك بعامية أهل الخليج الذين يسكنون الباء في بشوت فسكن أيضاً باء بتوت . وردد ! يضيف صاحب الجمهرة « فال الراجز :

من كان ذا بت فهذا بتي

مقيظ مصيف مشتي

اتخذته من نعجات ست

ويقول « الجوهري « في « الصحاح « : « البت : الطيلسان من خز ونحوه ، جمع بتوت . والبتى الذي يعمله أو يبيعه ، والبتات مثله «

وجاء في « تاج العروس « لسمينا « الزبيدي «:

« كساء غليط ، مهلهل ، مربع ، أخضر . وقيل هو من وبر وصوف . وفي التهذيب ( يقصد : تهذيب اللغة للأزهري ):

البت ضرب من الطيالسة يسمى الساج ، مربع ، غليظ ، أخضر «.

ويضيف مسألة في غاية الأهمية : « وفي حديث علي رضي الله عنه أن طائفة جاءت إليه فقال لقنبر: بتتهم ، أي أعطهم البتوت»!

ونقل « المبرد في كتابه « الفاضل في اللغة والأدب : « وما البتوت غير صوف بحت «.

ولا أدري إن كانت هناك أشعار في « البشت « قديمة، فأقدم شعر في هذا المضمار عثرت عليه ، أورده « صلاح الدين الصفدي» في كتاب « أعيان العصر وأعوان النصر»:

    وأتى إلى البشت مقترناً بما                       لك من يد بيضاء كم وهبت ندى

صوف به لذوي الصفاء تلفع                          شعر شعار من اغتدى متعبدا»

دعنا من هزال النظم وسوء التركيب ، فالمهم هو أن هذا النص يعود إلى القرن الثامن الهجري ، أي الرابع عشر الميلادي.

لقطة عجلان على الباحثين والدارسين التقاطها والبناء عليها ، للبت في البت والبشت!

Designed & Developed By - تصميم و تطوير